10 Oct
10Oct

 لقد ســاعد الكونت يوليان حاكم مدينة سبتة العرب على عبور المضيق إلى أسبانيا، ودخلوها على متن سفن يوليان منتصرين عام 711م/92هـ بقيادة طارق بن زياد وساهم في انتصار المسلمين ، ما كان يعانيه الشعب الإسباني من البؤس والظلم والضرائب ووقع عبء الدفاع عن الوطن على جماعات فاقدة للحرية لا يهمها الذود عنه ، وكان الشعب الإسباني يتطلع للخلاص من الحكام القوط ويستعجل قدوم العرب الفاتحين، ولا شك أن تدخل يوليان حاكم سبتة لمعاونة العرب كان من أكبر العوامل على تذليل الفتح ودخول إسبانيا وقضاء العرب على المملكة القوطية.  في واقع الأمر لم يكن الكونت يوليان حاكم مدينة سبتة وحلفاؤه من أنصار الحكم الملكي القوطي القديم يقصدون بمعاونة العرب على عبور المضيق والنزول إلى شواطئ الجنوب الإسباني أن يمتلك العرب إسبانيا ويحكموها إلى الأبد، بل كانت خطتهم من التحالف مع العرب ومساعدتهم على دخول أسبانيا هي استخدامهم في ضرب ومحاربة رودريك وإسقاطه من على عرش إسبانيا فيخلو الميدان للكونت يوليان ويصبح هو الملك وينتقم من رودريك وأنصاره. كان الكونت وأنصاره يعتقدون أن العرب متى دخلوا أسبانيا وفازوا بالأسلاب والغنائم وامتلأت بها جيوبهم وبما حمّلوه على دوابهم سوف يعودون إلى أفريقية. ومن ناحيته كان موسى بن نصير يؤكد لهم أنه لا يقصد بالغزو سوى كسب الغنائم والأسلاب والإفتخار أمام الخليفة الأموي بأنه عبر البحر إلى أسبانيا فاتحاً، كما أكد أنه لا ينوي البقاء في أسبانيا أو إنشاء دولة إسلامية فيها، وكان في الواقع قد علم بأحوال مملكة القوط وانحلالها وتفككها وخصب أراضيها، وثرواتها.                              استجاب موسى بن نصير إلى دعوة الكونت يوليان، واجتمعا معاً في سفنية راسية في المضيق، وكل واحد منهما يضمر خطته في نفسه، وعرض يوليان على موسى تسليم سبتة وكل معاقلها إلى العرب، كما عرض الكونت أن يقدم سفن أسطوله لنقل جنود المسلمين وعتادهم عبر المضيق، كما أعلن عن استعداده لإرشاد المسلمين، وتيسير دخولهم إلى أسبانيا منتصرين.    

الحرب التي دارت بين المسلمين والمسيحيين في أسبانيا تثير التباساً حول المصطلح، فهل هي حرب يحركها الصراع من أجل امتلاك الثروات وقهر الآخر، أم هي فتح تحركه الدوافع الدينية من أجل نشر الدين الإسلامي؟ وهل نستطيع الحكم الآن على طبيعة الصراع بعد أن انتهت تلك الحقبة التاريخية بالنتيجة المعروفة للجميع؟ الإجابة ليست بسهولة طرح السؤال، فالكلمات موجودة على ناصية الطريق ولكنها بحاجة إلى شاعر كي يصيغها في نسق شعري فتولد قصيدة يحتفظ بها الزمان، فالصراع بين الشعوب إن لم ينتقل من عنصرالرغبة في الإمتلاك إلى القدرة على تطوير ما نملك وإلى نسق يجعلنا أكثر فعالية على الإرتقاء بمجتمعاتنا ، فإن مآلها حرب وليس فتحاً وسيظل الصراع هو المحرك الرئيس للتاريخ ، أياً ما كان شكله .  لم يكن جوهر الصراع دينياً إلا في صوريته فقط لإخفاء حقيقة الصراع على السلطة والثروة ، وحوادث كثيرة في الأندلس تثبت تلك الرؤية ، وإن لم يكن الأمر على هذا النحو فلماذا تحالف ابن الأحمر مع الملك فرديناند ضد مسلمي إشبيلية حتى سقطت كحبة الرمان في حجر ملك قشتالة النصراني عام 1248م، وبمـاذا  نفسر تحالف عبد الله الصغير/ ببدول الشيكو ضد أبيه مولاي أبو الحسن أولاً وضد عمه مولاي الزغل ثانياً ونال شرف تقبيل يد فرديناند وإيزابيلا وأصبح مولى من مواليهما بعد أن تنصر.  لماذا يتم الحديث دائماً عن الأندلس وكأنها الفردوس المفقود وإظهار البطولات فقط، كيف لنا أن نتعلم من تاريخنا، كيف لنا الإستفادة من المعرفة وتوظيفها لصنع مستقبل أفضل، إذا تجاهلنا الدناءات والخساسة والخيانة التي كانت تسير جنباً إلى جنب منذ دخول طارق بن زياد إلى الأندلس عام 92هـ/712م حتى خروج آخر ملوك العرب منها عبد الله الصغير عام 1492م. لماذا عملت محاكم التفتيش على تنصير العرب في أسبانيا بين سقوط غرناطة عام 1492م وحتى صدور أمر فيليب الثالث بإقصائهم نهائياً عن أسبانيا عام 1618م، وهم يعلنون ويتمسكون بأنهم مسيحيون. وقد كان لعنف محاكم التفتيش مع المسلمين واليهود والمسيحيين في بعض الأحيان، دافعاً لظهور شعار فصل الدين عن الدولة ودفع الرهبان والقساوسة إلى الأديرة والكنائس، وتلك كانت بداية قيام ديمقراطية المؤسسات في الغرب وإنبثاق براعم الحداثة الغربية ، وإن أردنا الدقة ، فإنها بداية العلمانية . فالتاريخ في نهاية المطاف ليس قصصاً وروايات تروى عن ثقاة ، وإنما أحداث وقعت وأخرى مشكوك في صدقية حدوثها وينبغي وضعها في بوتقة المنطق والعقل وماكان منها يتماشى مع العقل قبلناه وماكان منها لايستقيم مع المنطق رفضناه ، فالمجال للخرافات والأساطير ليــس كتب التاريخ ، ففي عصور الإنحطاط والتفكك يختلط الراوي مع الرواية والعلمي مع الغيبي ويعلو شأن الجهلة وسفلة القوم وتروج قصصهم ويصدقها الناس ، إننا نسعى إلى فهم التاريخ من خلال الحقيقة ليس بهدف الفهم فقط بل من أجل التغيير فالتاريخ هو شكل من أشكال المستقبل ، فالإنتقال من التفكير الخرافي إلى التفكير العلمي ونشر الثقافة العلمية أصبحت ضرورة ملحة  في ظل الإنحطاط والتدهور في الحالة العربية الآيلة للسقوط على يد الجهلة المتنفذين والفقهاء المتحجرين ، وينطبق عليها نصيحة إبن غومس إلى صديقه شنجول ” خذ باليقين ودع الظن ، فأمرك والله مختل وجندك عليك لا لك ” .مانحن عليه اليوم هو نتاج التاريخ الإجتماعي والسياسي والإقتصادي لما مرّ علينا وبدون القراءة النقدية لهذا التاريخ لن نستطيع تتبع تطور مآلاتنا في المستقبل ، وبقدر انعدام القدرة على التأليف في التاريخ، يسعى الباحث إلى تتبع الأحداث ومحاولة تفسيرها، فعلينا إعادة قراءة الأحداث وفقا لتسلسلها ولنتائجها ومسبباتها ملقين الضوء على طبيعة الصراع متتبعينً الخيط المتعرج يمنة ويسرة صعوداً وهبوطاً وفقاً لما جرى من أحداث . أن مـا نحتاجه هو المعرفة التي تثرينا وتساعدنا على التقدم وتعطينا القوة لمواجهة الحياة، فالعلم والمعرفة هما الطريق إلى الحقيقة، مع يقيننا بأنه توجد الكثير من الكتب عديمة القيمة ، مليئة بالأوهام التي اكتسبت قوة الحقيقة وإرتدت رداء المعرفة لأننا لا نصدق ما نقرأه وإنما نصدق ما يلاقي صدىً طيباً في نفوســنا، وعلينا مجابهة الحقائق بحلوها ومرها  ســـعياً إلى الحقيقة خلال زيارتنا القصيرة إلى الحياة ، بوسع المرء أن يتساءل أليس غريباً أن يغيب العلم والتقدم عن العالم الإسلامي ويبقى الجهل والتخلف فيه.