18 Dec
18Dec

لاشيء أصعب على الإنسان من أن يتحمل مسئولية حياته، لذا فهو يلجأ إلى أن يُلقي بتلك المسئولية على الآخر .. الدولة، الكهنة، والمجتمع في محاولة بائسة للهروب من وخز الضمير، والإفلات من حساب نفسه على أخطاءه، بإحالة المسئولية على الآخرين.
حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم الأكثر تحملاً للمسئولية لا بد لهم من اختبار الرغبة بالهروب مرة أو حتى مرات عديدة.. وتلك عبودية نسميها زوراً حياة.
صحيح أن عيش الحياة من خلال النماذج "المقولبة" التي وضعت لنا في كتب التاريخ والقصص الدينية تُنجينا من القلق الوجودي، ولكن تبقى القدرة على توجيه المرء لحياته وأفعاله وفقاً لما يريد -دون أن يتسبب بالأذى للآخرين- إنجازًا كبيرًا، وقيمةً مضافةً لحياة يُقرر فيها الإنسان مصيره بنفسه.. ويتحمل مسئوليتها بعد أن يدرك أن التخلص منها غير ممكن لأنها ملتصقة به التصاق الجلد باللحم.
هناك من يندفع في الطريق وغبار الأحداث يطمر عينيه وأذنيه، فلا يبصر إشارة الخطر ولا يسمع صافرات الإنذار، وهناك من يتمدد وسط الأبيض، أو يندس وسط الأسود وكلاهما اختفاء وتلاشٍ، والظاهر هو من يقف بينهما.
الحياة صراع بين الأمواج المتلاطمة التي تعبث بك، ومن لا يمتلك توازنًا بين الأبيض والأسود، وبين النور والظلام لن ينسجم مع نفسه، لأن الحياة لا تقع في النور ولا تقع في الظلام إنما في منطقة وسط بين الإثنين، إن أدركتها نالك الرضى، ونلتها، وإن لم تدركها صرت كغيمة في سحاب، أو فحمة في سواد أسيراً في أغلال تصنعها بنفسك..
في ذكرى مولدي (الرابع والستون) ولإدراكي بأن العالم لم يبدأ يوم ولادتنا، ولن ينتهي يوم رحيلنا، وأنّ الموت كحتمية بشرية تحدث دائماً لأشخاص آخرين...تبقى القاعدة التي يجب أنْ نتمسك بها هي أننا مسئولون عن حَياتنا مسئولية كاملة وكل محاولات الهروب من المسئولية هي مجرد ضعف لا يليق بنا، فليسَ هناك طريق ثالث: إما أن نتحمَّل مسئولية حياتنا أو أن نستمر في خداع أنفسنا.
محمود يوسف خضر Mahmoud Khidr

الصّورة: أنا، وعلى اليسار لوحة الهروب من الاطار، للفنان الأسباني بيرى بوريل ديل كاسو