11 Oct
11Oct

 اهتم الأمراء في عصرالإمارة بتحصين مدن الأندلس التي استولوا عليها أهتماماً كبيراً فأقاموا الأســـــوار والحصون في سائر مُدنها ، وأول هذه المدن قُرطبة الرّومانية التي فُتحت أسوارها عند الفتح الإســـلامي العربي في بعض نواحيها خاصة في ســــــورها القبلي والغربي ، وأصبحت قرطبة علــى هذا النحو مدينة.. مفتوحة متاحة للداخلين إليها والخارجين منها .ولما تولى السّمح بن مالك ولاية الأندلس قام بترميم وتجديد قنطرة قرطبة المهدمة بحجارة أخذت من السّور الروماني الذي تهدم عند الفتح من الناحية الغربية ثم شرع في ترميم السّور وأعادة سد الثغرة التي فتحت فيه من الجهة الغربية بالطوب اللّين ، ولكنه لم يُكمل بناء السّور إذ قُتل في موقعة طرسونة قبل أن يبدأ في البناء وظل السّور الغربي مُهدماَ دون ترميم حتى قام بترميمه الأمير عبد الرحمن الداخل سنة 150هـ/767م . ومازالت بقايا سور عبد الرحمن الداخل قائمة حتى اليوم بالقرب من المستشفى العسكري في قرطبة .وترتكز هذه الأسوارعلى أساســـــــــــــــــــات من الحجارة المهذبة وظل سور قرطبة الروماني الأصل موضع رعاية الأمراء والحكام . ولما أخذت المدينة في الإتساع تكونت خارجها أرباض ( أحياء) ، وأصبحت قرطبة تتكون من خمسة جوانب أو خمس مدن هي المدينة المركزية أو الوســــــــــطى أو القصبة ، ثم المدينة الشـــــــــرقية والغربية ثم الجانب الشــــــــــــــــــــمالي ، والجانب الجنوبي ، وهو الربض( الحي ) الواقع جنوبي قرطبــــــة علــى الضفة الأخــــــــرى من نهر الوادي الكبير . وكانت هذه الأرباض الأربعة المحيطة بالمدينة المركزيّة قبل الفتنة الكبرى بدون أسوار ، فلما أشتعلت نيران الفتنة ، أقيم لكل جانب منها خندق يدور حوله سور مانع يفصلها عن غيرها  ، وكان سورالمدينة الوسطى أو القصبة على شكل متوازي أضلاع لايتجاوز محيطه أربعة كيلو مترات .

وكما تفتحت الأسوار الرومانية التي كانت تحيط بقرطبة عند الفتح الإسلامي  أنفتحت أسوار اشبيلية بسبب نمو العمران والتوسع في البناء  خارج الأسوار  وعندما أغار النورمانديون على أشبيلية تمكنوا من الدخول إلى قلب المدينة دون أن تعترضهم أسوار منيعة ، فدخلوها – كما يقول إبن سعيد الأندلسي – وهي عورة  واستباحوها سبعة أيام  واضطر الأمير عبد الرحمن الأوسط إلى تحصين المدينة بعد أن رحل عنها النورمانديون ، فبنى حولها سور من الحجارة ، ثم تهدم هذا السور مرة أخرى بأمر عبد الرحمن الناصر سنة 301هـ / 9113م على يدي إبن السليم .

وكان عبد الرحمن الداخل قد شيد حصن المُدوّر بالقرب من قرطبة سنة 142هـ / 759م  وقد بقيت بعض آثار هذا الحصن حتى الوقت الحالي . وفي عصر الخلافة تواصلت أعمال إقامة الأبراج والحصون والقلاع على يد عبد الرحمن الناصر وخلفاؤه في نواحي الأندلس المختلفة وعلى المرتفعات المطلة على مداخل المدن

كما أهتم حكام الأندلس من أمراء بني أمية ببناء القناطر وجسور المياه ، وأهم القناطر الباقية قنطرة قرطبة التي تصل بين مدينة قرطبة ورَبضها المعروف باسم شقندة ، وهذه القنطرة بناها في الأصل الأمبراطور الروماني أوغسطس ، وعندما دخل المسلمون الأندلس وجدوها مُهدمة قد سقطت حناياها ولم يبق منها سوى دعائمها الراكبة في النهر ، فجدد السّمح بن مالك بناءها بأحجار سور قرطبة المتهدم سنة 101هـ / 719م . وفي سنة 161هـ / 777م تعرضت القنطرة لسيل جارف سد حناياها وهدم بعضها وزلزل بُنيانها ، ولم يتمكن الأمير عبد الرحمن  الداخل من ترميمها وتجديدها لانشغاله في قمع الثورات المتوالية التي إشتعلت ضده في سائر أنحاء الأندلس  وقام بترميمها وإعادة بناء ماتهدم منها إبنه الأمير هشام ، ولكن القنطرة تعرضت مرة أخرى لسيل جارف سنة 182هـ / 798 م تركها متداعية ثم تعرضت لسيل آخر سنة 288هـ / 900 م هدم إحدى دعائمها ولكنها بقيت بالرغم من ذلك تؤدي وظيقتها في وصل قرطبة بضاحيتها شقندة . وتكرر إصلاحها عدة مرات في عصر الخلافة .وعدد عقود هذه القنطرة حاليا ســــــــــتة عشر عقداً ترتكز على سبع عشرة دعامة أما قنطرة طليطلة فقد كانت تربط بين المدينــــــــــة وبين ربضها ( ضاحيتها ) على الضفة المقابلة للمدينة على نهر تاجه ، وكان لها عقد واحد تكتنفه فتحتان من كل جانب ، وذكر المقري ( ج1ص153) أن طولها ثلثمائة باع وعرضها ثمانون باعاً . وأضاف الحميري (ص130) أنه أقيمت في نهاية القنطرة ناعورة أرتفاعها في الجو تسعون ذراعاً ، وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة ويجري الماء  على ظهرها فيدخل المدينة وقد خُربت القنطرة أيام حُكم الأمير محمد بن عبد الرحمن إذ أمر بهدمها تماماً سنة 244هـ / 858 م حتى ينتقم من أهلها الثائرين عليه في ذلك الوقت .وظلت قنطرة طليطلة مهدمة حتى أعاد بناءها خلف بن محمد العامري قائد المدينة بأمر المنصور بن أبي عامر سنة 387 هـ / 997 م في عصر الخلافة ، ثم خُربت القنطرة بعد سقوط الكتف الكبير للجانب المقابل للمدينة ، وأعيد ترميم القنطرة سنة 1259م وبقيت على شكلها الحالي .أما بالنسبة للحمّامات العامة والخاصة فقد استخدم العرب المسلمون الحمامات الرومانية التي كانت قائمة في أسبانيا عند الفتح واطلقوا عليها اسم الثرما وهي لفظة من أصل لاتيني تشير إلى الماء الدافئ . وكانت الحمامات العامة مبان ضخمة تم تشييدها على نمط امبراطوري روماني . وكانت هناك الحمامات الخاصة أو حمامات الأحياء . وكانت الحمامات الأولى التي استخدمها العرب المسلمون ذات الأصل الروماني تتألف من أربع غرف من الخارج إلى الداخل : غرفة الملابس والغرفة الباردة ، والغرفة الدافئة ، ثم أخيراً الغرفة الساخنة . وكانت غرفة الملابس تتكون من عدد متنوع من الأقسام الصغيرة مخصصة لخلع الملابس وقدم المعماريون الرومان إبداعات مثيرة في عمارة الحمامات إستناداً إلى أنه كانت لها بُعد إجتماعي رئيسي . 

أما نظام عمل الغرف بشكل عكسي من الخارج إلى الداخل فان ذلك كان بســــــــبب قواعد طبية تتعلق بصحة المستحمين حيث يبدأ الإستحمام بالغرفة الساخنة حيث تكون الحرارة مرتفعة لوجودها بجوارالفرن  ( المستوقد) كما أن حوائطها محاطة بمواسير الهواء الساخن ، وكانت الأرضية أيضا ساخنة من خلال فرن مقام تحتها  ثم تأتي الغرفة الدافئة التي يمتد تحتها جزء من فرن التسخين ، كما كانت حوائطها أيضاً دافئة ، وأخيراً يصل المستحم إلى الغرفة الباردة ذات الأحواض المملوءة بالماء البارد .وإلى جانب الحمامات العامة انتشرت الحمامات الخاصة بمنازل الصفوة من الناس وكما حدث في المشرق في الشام ومصر ، أصبح الطراز الروماني هو السّائد في المغرب والأندلس ولم تصل الحمامات العامة إلى الضخامة التي كانت عليها الحمامات الرومانية ذات الطابع الأمبراطوري . وكانت الحمامات في المدن الإسلامية في شمال إفريقيا والأندلس تتبع الأوقاف ( الحبوس ) وكانت هذه الحمامات صغيرة موزعة بشكل منتظم بين الأحياء والأرباض بالقرب من المساجد أو إلى  جانبها ، وفي مرحلة تالية من عمارة الحمامات وابتداء من عصر الإمارة كان يُنشأ في كل حمام ميضأة حتى يتمكن رواد الحمام  من التوجه إلى المســـــــجد مباشرة ، وفي بعض الحمامات أقيمت أماكن للصلاة وظهر في المدن الإسلامية الأندلسية التسمية المزدوجة : المسجد الحّمام ، وسار الحمّام في المغرب والأندلس على إيقاع المسجد إذ به مكان مخصص لإقامة الشعائر الدينية . وكان تزويد الحمامات الأندلسية بالمياه مشكلة تم حلها عن طريق مدّ أنابيب من الرصاص من الأنهار وتجمعات المياه .